كلمة الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية
الشيخ/ نواف سعود الصباح
في ندوة أوكسفورد للطاقة – المملكة المتحدة
حول موضوع "استراتيجة الكويت للطاقة – إدارة تحول الطاقة"
12 سبتمبر 2022
ألقى الشيخ/ نواف سعود الصباح -الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية كلمة بعنوان "استراتيجية الكويت للطاقة" من خلال مشاركته في ندوة أكسفورد للطاقة – في المملكة المتحدة، تحدث فيها عن الدور الرئيسي للصناعة النفطية في التوجه العالمي لتحول الطاقة، وكيف لقطاع النفط والغاز في دولة الكويت أن يساهم في إدارة تحول الطاقة. وقد جاء في كلمة الشيخ/ نواف ما يلي:
تشهد صناعة الطاقة تغيرات مستمرة، فعلى سبيل المثال في تسعينيات القرن الماضي وأوائل القرن الحادي والعشرين كانت كثير من التوقعات تشير الى أن الطلب على النفط قد بلغ ذروته وأن الأسعار ستظل فوق مستوى 100 دولار للبرميل. ولكن خلال الـ 10 سنوات الماضية تغيرت النظرة بعد الزيادة الكبيرة في انتاج النفط الصخري من الولايات المتحدة والتي توقع الكثيرون انها ستستمر لفترة طويلة ستؤدي إلى إغراق السوق وبالتالي هبوط الاسعار، وقد أدى ذلك بالكثير من الشركات النفطية إلى إلغاء أو تاجيل برامج الاستكشاف الخاصة بهم. فما قبل عام 2014 كان معدل الكميات المضافة من برامج الاستكشاف سنوياً تقارب 10 مليار برميل، ولكن بعد هبوط الأسعار في عام 2014 وخفض الانفاق على برامج الاستكشاف انخفضت كميات الاستكشاف المضافة إلى أقل من النصف. وكما يدرك الجميع بأن الفترة التي يستغرقها برميل النفط المستكشف لتطويره ليكون قابلا للإنتاج تصل إلى 7 سنوات، لذا فانخفاض معدل الكميات المستكشفة منذ 2015 سيكون أثرها على الطاقة الإنتاجية بعد 7 سنوات، وهو ما نراه الان في 2022 المتمثل في شح العرض وأثره على الاقتصاد العالمي. كل تلك التغيرات والتقلبات تحدث بالتزامن مع التوجه العام لتحول الطاقة.
قد يرى الكثير أن موضوع تحول الطاقة يعني استبدال الطاقة، وهو ما يعتقده بعض صناع القرار للتخلص السريع من استخدام الوقود الاحفوري واستبداله بطريقة سحرية بالطاقة المتجددة مع استكمال انشاء شبكة توزيع معقدة لها في وقت قصير من خلال وضع تشريعات وسياسات خاصة بذلك، علماً بأن اتفاق باريس للمناخ التي تعد الكويت طرفاً فيه، يهدف بشكل رئيسي الى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية.
لذا فمن باب الانصاف والنظر للموضوع بشمولية، علينا التطرق إلى جميع مصادر الانبعاثات. فخلال العقد الماضي، نرى أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الفحم كانت أكبر بنسبة 20٪ من تلك الناتجة عن النفط، علماً بأن الفحم يعتبر وقود رديء مقارنة بالنفط إلا أنه كان يلاقي استحساناً لدى الكثير، كما أن استبدال استخدام الفحم بالغاز من شأنه أن يقلل بشكل كبير من انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي، فنرى مثلاً في بعض الدول التي التزمت ببرنامج للخفض التدريجي لمحطات الكهرباء التي تعمل بالفحم أدى ذلك إلى انخفاض انبعاثات الكربون لديها إلى مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ولكن الآن في ظل ارتفاع أسعار الغاز، عادت بعض الدول إلى استخدام الفحم في محطات الكهرباء. وأصبحت الدول المتقدمة التي دأبت على دفع الدول النامية للالتزام بالشروط المناخية -على حساب مشاريعها الحيوية وتطورها- تعطي لنفسها الأولوية الآن لتجاوز حدود الانبعاثات التي التزمت بها ولو كان ذلك بشكل مؤقت. لهذا نرى لا بد لجميع الأطراف التحلي بالمرونة لتحقيق التحول الأمثل للطاقة.
إن السبب في التأكيد على أن أصل الموضوع هو تحول الطاقة وليس استبدال الطاقة هو أن العالم بحاجة إلى توفر جميع أنواع الوقود لاستمرارية الحياة، إذ من المتوقع أن يصل نمو الطلب على الطاقة بحلول عام 2050 إلى ما يقارب 47٪، وحتى لو أخذنا بفرضية انخفاض حصة النفط من مزيج الطاقة، سيظل الاعتماد على النفط بارتفاع إلى أن يصل إلى مستوى الاستقرار، وبالفعل، عاد الطلب على النفط إلى مستويات ما قبل الجائحة، غير انه من المتوقع ان يشهد نمو الطلب تراجعاً مع احتمالية تباطؤ الاقتصاد العالمي، غير انه نزال نرى ان يستمر الطلب عند مستوى 100 مليون برميل يوميًا خلال السنوات المقبلة.
وعندما ننظر الى معدل الانخفاض السنوي الحالي للطاقة الإنتاجية الذي يصل الى 3 مليون برميل باليوم، فان العالم بحاجة الى إضافة ما يقارب الطاقة الإنتاجية لدولة الكويت كل سنة. وهذا يتطلب من شركات النفط الوطنية والعالمية العمل لإيجاد جميع أنواع التقنيات الكفيلة بتطوير المكامن وإنتاج النفط بطريقة آمنة وموثوقة.
وعلى مستوى مؤسسة البترول الكويتية، فإنه مع الاستمرار في تحول الطاقة والطلب الثابت للنفط على المدى المتوسط تستمر المؤسسة في رفع قدرتها الإنتاجية لتلبية الطلب العالمي على النفط والمنتجات البترولية مع الحفاظ على خفض الانبعاثات الكربونية قدر المستطاع.
إن برنامج تحول الطاقة سيستغرق وقتًا طويلاً ويتطلب اجراء تغييرات جذرية، فعلى سبيل المثال لتحديث شبكات الكهرباء لتكون متوافقة مع شروط إزالة الكربون في عام 2040 قد تصل تكلفتها تريليونات الدولارات، إضافة الى استمرار استخدام العالم للسيارات التقليدية التي تتجاوز بكثير مبيعات السيارات الكهربائية، ومع شح السيولة في العالم اجمع إثر تداعيات الجائحة نرى صعوبة اتخاذ إجراءات سريعة بهذا الحجم من الاستثمار لتطوير الشبكات والانتقال بالطاقة. لذا نرى انه في أي مرحلة انتقالية، نتوقع أن يظل النفط مكونًا أساسيًا في مزيج الطاقة. والسؤال هنا: من هو مصدر هذا النفط؟
لا يمكن أن يكون للنفط في 2040 أو 2050 نفس معدل الانبعاثات اليوم، ذلك لأن العالم قد يضع علاوة على برميل النفط ذو الانبعاثات منخفضة الكربون أو فرض ضريبة لبرميل النفط ذو الانبعاثات العالية، لذلك فمن خلال التزام مؤسسة البترول الكويتية بإجراءاتها الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من عملياتها يمكننا المحافظة على مكانتنا كمزود آمن ومعتمد للطاقة لعقود قادمة، ونحن نفخر بأن نفطنا يعتبر من النفوط ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة، حيث تشير التقديرات إلى أن معدل ثاني أكسيد الكربون المنبعث من انتاج برميل النفط الكويتي يعادل ما يقارب 5 كجم من ثاني أكسيد الكربون لكل برميل وهو أقل معدل بالعالم إذا ما قورن بمعدل الانبعاثات من شركات النفط العالمية التي قد تصل إلى 20 كجم لكل برميل، وبالتالي فإن التحدي الآن هو في أن نستمر بالمحافظة على مكانة نفطنا كأقل مصدر للانبعاثات الكربونية مع مراعاة تكلفة الإنتاج.
قد منّ الله علينا بموارد هيدروكربونية هائلة وطبيعة جيولوجية مناسبة لتطوير النفط وإنتاجه، حتى أن تضاريس دولة الكويت سهلت من حركة تدفق النفط من الآبار إلى مراكز التجميع وصولاً إلى مرافق التصدير، ولكن كحال جميع المنتجين الرئيسيين في العالم، وبعد ما يقارب ثمانية عقود من انتاج النفط، بدأت تظهر على بعض حقولنا ما يطلق عليه ظاهرة شيخوخة المكامن، إن ما كان يطلق عليه "عهد النفط السهل" قد قارب النهاية، وأصبحنا نعتمد على مختلف تقنيات الاستخلاص المعزز للنفط لتحفيز المكامن وزيادة تدفق النفط إلى السطح، وهذه التقنيات ذات استهلاك كثيف للطاقة تؤدي إلى زيادة الانبعاثات الكربونية وتكلفة الإنتاج.
وبالتالي لكي نحافظ على مكانتنا كشريك معتمد وآمن للطاقة، تحتّم علينا التحكم في تكاليف عملياتنا والعمل على خفض استهلاكنا للطاقة والانبعاثات الناتجة منها، ونحن نقوم بذلك بعدة اساليب.
أولاً، نسعى إلى إيجاد وتطوير مصادر جديدة نظيفة للطاقة لتزويد عمليات الإنتاج بالطاقة الكهربائية وتقليل أي تأثير سلبي لها على البيئة، وقد أطلقنا مشروع سدرة-500 لبناء محطة تنتج ما يقارب من 10 ميغاوات من الطاقة الشمسية في حقل أم قدير في منطقة غرب الكويت لتشغيل 29 مضخة كهربائية غاطسة، وهو ما سينتج عنه توفير ما يقارب 600 ألف برميل على مدى 20 عام، وقد أُطلق على المشروع اسم "سدرة-500" لأن كمية الكهرباء المقدرة لتشغيل تلك المضخات لو تم انتاجها عن طريق حرق النفط التقليدية فإنها ستحتاج إلى 500 ألف شجرة سدرة لامتصاص انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج من حرق النفط.
ثانياً، نسعى إلى خفض محتوى الغازات الدفيئة في منتجاتنا، ففي بداية هذا العام، نجحنا في التشغيل الكامل لمشروع الوقود البيئي، حيث تم تطوير مصفاتي ميناء الأحمدي وميناء عبدالله لانتاج وقود منخفض الكبريت يتناسب مع المعايير العالمية مثل Euro-5 ويقلل من انبعاثات الكربون ويلبي احتياجات العملاء، وبالفعل قبل أسبوعين فقط، وصلت أول شحنة من الديزل منخفض الكبريت إلى محطتنا في نابولي على متن ناقلة نفط كويتية، حيث يتم الآن بيع هذا النوع من الديزل في محطات تزويد الوقود "Q8" في إيطاليا.
ثالثاً، وربما الأكثر نجاحاً هو المشروع التجريبي لحقن غاز ثاني أكسيد الكربون في المكامن بغرض رفع الطاقة الإنتاجية وتحسين أداء المكامن، حيث يتحقق من هذا المشروع أمرين مهمين، أولها خفض انبعاثات الكربون الناتجة من عملياتنا التشغيلية وبالتالي حقنها في باطن الأرض، والثاني يكون في تحرير كميات كبيرة من الغاز الطبيعي التي كان يمكن استخدامها لنفس الغرض واستثمار هذه الكميات في مشاريع البتروكيماويات أو توليد الطاقة، مما يقلل من حاجة الكويت لاستيراد الغاز الطبيعي المسال باهظ الثمن، والجدير بالذكر أن النتائج الأولية للمشروع التجريبي تعتبر مبشّرة وتؤكد جدوى تطبيق حقن الغاز بالمكمن وتحسن الطاقة الإنتاجية، وبالنظر إلى الزيادة المتوقعة لتكلفة تحديث واستبدال بعض مرافق الإنتاج للتعامل مع غاز ثاني أكسيد الكربون الإضافي الذي سيتم إنتاجه مع النفط، فنحن على ثقة بأنه من خلال شراكاتنا مع الشركات المتخصصة في هذا المجال، يمكننا إيجاد الحلول والتقنيات المتطورة لخفض التكاليف وتطبيق التجربة بشكل واسع.
صناعتنا النفطية هي ذات طبيعة تتطلب استثمارات رأسمالية عالية ومستمرة، وإذا استمر نجاح جهودنا، فيمكننا الجزم بأن آخر برميل من النفط المنتج على الأرض سيأتي من منطقتنا. وكما قال الفيزيائي الراحل وخريج جامعة أكسفورد ستيفن هوكينغ: "الذكاء هو القدرة على التكيف مع التغيي"، ونحن في مؤسسة البترول الكويتية، شغوفون للتكيف مع المتغيرات المصاحبة لتحول الطاقة لضمان أن نظل شريكاً آمناً وموثوقاً للطاقة مع عملائنا في جميع أنحاء العالم، ونحن ملتزمون بإجراء التغيير والاستثمار اللازمين لتعظيم قيمة الموارد الهيدروكربونية التي أنعم الله بها علينا لما فيه مصلحة وازدهار وطننا.